هل يمكن اعتبار المنفعة هي أساس المعيار الأخلاقي ؟
مقالة جدليـــــة
مقالة جدلية: هل المنفعة هي أساس المعيار الأخلاقي ؟ أو هل يمكن اعتبارها كذالك؟
مقدمــــــــــة:
تحرك الإنسان دوافع كثير لكنه في كل الحالات لا يخضع سلوكه للغرائز كما هو حال الحيوان مثلا بل أكثر من ذلك بوصف ما يحيط به بل يسعى باستمرار إلى معرفة السلوك الأفضل وهنا يلجأ إلى إصدار أحكام التقييمية على أفعاله وأفعال غيره في محاولة لربطه للطابع الأخلاقي غير أن مسألة تحديد معيار الأخلاق أثارت الكثير من التساؤلات فالإشكالية التي تعبر عن ذلك هل تصلح المنفعة كمعيار للأخلاق؟
عرض الاطروحة الأولي : المنفعة هي اساس ومصدر لكل القيم الاخلاقية.
تأسيس الاخلاق على معيار المنفعة فهو الأصلح والأنسب فالأخلاق هي امتداد وانسجام مع طبيعة الإنسان، فالسلوك الأخلاقي يوافق السلوك الطبيعي، فالإنسان بطبعه يطلب اللذة ويتمسك بها وينفر من الألم ويرفضه فاللذة هي الخير والألم هو الشر هذا هو شعاره.
إن جميع القائلين بمذهب المنفعة من" أبقور " إلى "جرمي بنتام" قصدوا باللذة خير وبالألم شر والواقع أن الأطروحة تقود بجذورها إلى الفلسفة اليونانية ممثلة في إريستبوس القورينائي حيث قال:[ اللذة هي الخير الأعظم هذا هو صوت الطبيعة فلا خجل ولا حياء]، فالأخلاق عنده استجابة لمطالب ورغبات الجسد وفيه ركز على اللذة الجنسية واعتبرها آنية تزول بزوال مسببها وما دام العقل يستطيع التذكر فاللذة الخيرة هي اتحاد الحس مع الذاكرة والحقيقة هو أن هذا المذهب يتحد ظهوره في الفلسفة الحديثة في الفكر الإنجليزي على يد جرمي بنتام و جون ستيوارت ميل. فالأول ربط المنفعة العامة بالأخلاق وجعلها اسبق من المنفعة الفردية وصاغ ذلك كله في مقياس أطلق عليه اسم مقياس حساب اللذات فاللذة الخيرة تتصف بمواصفات الشدة وعدم اختلاطها بالألم فهي نقية صافية دائمة مؤكدة وقوية وتحدث تلميذه استيوارت ميل حيث قال خير من إنسان أن يكون مفراطا ما إن يكون خنزيرا متلددا فالخير لا يقاس بالكم بل بالكيف وهذا ما يميز الإنسان عن الحيوان فالخير كله الخير عند أنصار الرأي الأول وهو استجابة لصوت الطبيعة.
نقــد:
ليس دائما كل الم هو شر فالاستشهاد في سبيل الله هو قمة الخير بالرغم من الألم الذي يلحق بالشخص والخيانة هي قمة الشر وإن جلبت السعادة لصاحبها.
عرض نقيض الاطروحة : أن العقل هو الأساس والمصدر لكل القيم الاخلاقية.
يرى اصحاب الرأي الثاني أن القيمة الأخلاقية أساسها العقل والمجتمع فعند النظرية العقلية تصورات الإنسان وادراكه هو الذي يؤسس الأخلاق حيث يقول أفلاطون:
"يكفي أن يحكم الإنسان جيدا لكي يتصرف جيدا" وقال قبله سقراط "العلم فضيلة والجهل رذيلة" وتحدث في كتابه الأخلاق لنيقوماطوس عن دور العقل واعتبره مثل البوصلة وهو الفاصل بين الرذيلة والفضيلة فقال مقالته الشهيرة" الفضيلة وسط بين رذيلتين وضرب الكثير من الأمثلة لتوضيح فكرته الشجاعة وسط بين التهور والجبن والتواضع وسط بين الإدعاء والحياء ويتجلى المذهب العقلي في أفكار كانط حيث اعتبر العقل هو القادر على إعطاء الإنسان إنسانيته فلو كان الخير استجابة للغرائز ولتركيبتنا البيولوجية (فتسود الفوضى) سيكون متغير وستسود الفوضى ويبقى الاحتمال الواحد لخلق النظام ووضع مقياس الخير والشر الاحتكام إلى سلطة العقل فقال:[ إعمل كما لو كنت تريد أن يكون عملك قانونا كليا عاما] وقال أيضا:[ إعمل على أساس تعتبر فيه الناس غاية لا وسيلة] ،والحقيقة أن الطرح الاجتماعي يناقض الطرح النفعي ومبرر ذلك في شعارهم:" تبدأ الأخلاق حيث تبدا حياة الجماعة" عن تفكير الفرد هو انعكاس لتصورات الجماعة حيث قال دوكايم :" إذا تكلم الضمير فينا فإن المجتمع هو الذي يتكلم" وهكذا فإن أنصار الطرح الاجتماعي ناقضوا أنصار الأطروحة النفعية.
نقـــد:
إن ربط الأخلاق بالعقل يفرغها من كل محتوى واقعي ثم إن محاولة ربطها بالمجتمع يلغي دور الفرد وهو أمر يخالف المنطق والواقع.
التركيب:
استند أنصار الطرح الأول على فكرة المنفعة ولكنها فكرة تبقى بعيدة عن الإجماع ومستحيلة التطبيق واستند أصحاب الطرح الثاني وأنصاره على العقل والمجتمع واغفلوا حقيقة هامة هي ارتباط الإنسان بالسماء وانطلاقا من هذه المقارنة رأى الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:" الأخلاق يجب أن تؤسس على نوازع الفطرة الإنسانية الطبيعية وكذا الإجماع الإنساني المرتبط بخالق الإنسان ولهذا قيل:" للشرع التنوير والعقل والاجتهاد" فالأخلاق تستند على الوعي كمعيار وعلى العقل كأداة للفهم وعلى روح الجماعة.
حل المشكلــــــــة:ورغم الاختلاف حول الأسس التي يقوم عليها الفعل الخلقي إلا أنها تبقى في حقيقة الأمر أسسا متكاملة ومتداخلة يصعبُ فصل بعضها عن بعض، ويمكن القول أن الفعل الخلقي الحسن هو ما يأمرنا به الشرع ويتقبله العقل. ويحقق منافع مشتركة للبشر ولا يتعارضُ مع العادات والتقاليد الاجتماعية الحسنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق