عبد الرحمن ابن خلدون الفيلسوف وعالم الاجتماع
تمهيــــد :
شخصيات قام على جهودها الموروث العلمي الشامخ، هذا الصرح الذي أضاءت أنواره العتمة التي كانت تغطي الأذهان إنهم علماء من الاسلام والعرب فقد برع هؤلاء في الكثير من العلوم من الطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء والحيل والموسيقى والرياضيات والفلك والاجتماع، و أجادوا فيها ، و أضافوا إليها إضافات هامة أثارت الإعجاب و الدهشة لدى علماء الغرب ، فاعترفوا بفضل هؤلاء و أثرهم الكبير في تقدم العلم و فكان لعلماء الاسلام والعرب فيه دور الريادة أمثال أبو بكر الرازي و ابن سينا وابو حامد الغزالي وابن رشد و جابر بن حيان و الخوارزمي و الكثير الكثير
ويعد ابن خلدون صاحب عنوان هذه المقالة ، وقد تم اختياره عن غيره من العلماء بسبب التعرف على شخصيات أخرى كان أيضا لها من الفضل الكثير وان كان علم وتاريخ ابن خلدون لا تسعه الكتب فنحن هنا نحاول ان نسلط الضوء علي نقاط قليلة لكي نتذكر هؤلاء وفضلهم علي العلم.
نبذة عن ابن خلدون الفيلسوف :
ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي المؤرخ الشهير ورائد علم الاجتماع الحديث الذي ترك تراثا مازال تأثيره ممتدا حتى اليــــوم.
ولد بتونس في [ غرة رمضان 732هـ = 27 من مايو 1332م] وعاش في الجزائر ، كانت أسرة ابن خلدون و التي تنحدر من أصول عربية كما ذكر في كتاباته أسرة ذات نفوذ في إشبيلية في الأندلس. هاجر بنو خلدون إلى تونس التي كانت تحت حكم الحفصيين يعد من كبار العلماء الذين أنجبهم المغرب العربي ، إذ قدم نظريات كثيرة جديدة في علمي الاجتماع والتاريخ ، بشكل خاص في كتابيه : العبر والمقدمة. وقد عمل في التدريس في بلاد المغرب ، بجامعة القرويين في فاس ،ثم في الجامع الأزهر في القاهرة ، والمدرسة الظاهرية، وغيرها من محافل المعرفة التي كثرت في أرجاء العالم الإسلامي المختلفة خلال القرن الرابع عشر نظراً لحض الدين الإسلامي الحنيف للناس على طلب العلم. وقد عمل ابن خلدون في مجال القضاء أكثر من مرة ، وحاول تحقيق العدالة الاجتماعية في الأحكام التي أصدرها
وقد نشأ ابن خلدون في بيت علم ومجد عريق، فحفظ القرآن في وقت مبكر من طفولته، وقد كان أبوه هو معلمه الأول، كما درس على مشاهير علماء عصره، من علماء الأندلس الذين رحلوا إلى تونس بعدما ألم بها من الحوادث، فدرس القراءات وعلوم التفسير والحديث والفقه المالكي، والأصول والتوحيد، كما درس علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب، ودرس كذلك علوم المنطق والفلسفة والطبيعية والرياضيات، وكان في جميع تلك العلوم مثار إعجاب أساتذته وشيوخه.
ابن خلدون فكره وفلسفته :
كانت لابن خلدون فلسفته الخاصة والتي بنى عليها بعد ذلك أفكاره ونظرياته في علم الاجتماع والتاريخ، حيث عمل على التجديد في طريقة عرضهم،فقد كان رواة التاريخ من قبل ابن خلدون يقومون بخلط الخرافات بالأحداث ، هذا بالإضافة لتفسيرهم التاريخ استناداً إلى التنجيم والوثنيات ، فجاء ابن خلدون ليحدد التاريخ بأنه "في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها" وذلك لأن التاريخ "هو خبر عن المجتمع الإنساني الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة هذا العمران من الأحوال".
وعلى الرغم من اعتراض ابن خلدون على آراء عدد من العلماء السابقين إلا أنه كان أميناً سواء في عرضه لهذه الآراء والمقولات أو نقده لها، وكان يرجع أرائهم الغير صحيحة في بعض الأمور نظراً لجهلهم بطبائع العمران وسنة التحول وعادات الأمم، وقواعد السياسة وأصول المقايسة.
سعى ابن خلدون دائماً من أجل الإطلاع والمعرفة فكان مطلعاً على أراء العلماء السابقين، فعمل على تحليل الآراء المختلفة ودراستها، ونظراً لرحلاته في العديد من البلدان في شمال إفريقيا والشام والحجاز وعمله بها وإطلاعه على كتبها، فقد اكتسب العديد من الخبرات وذلك في عدد من المجالات سواء في السياسة أو القضاء أو العلوم، فجاءت أفكاره التي وصلت إلينا الآن تتمتع بقدر كبير من العلم والموضوعية
منهج ابن خلون العلمي في التاريخ :
تبدو أصالة ابن خلدون وتجديده في علم التاريخ واضحة في كتابه الضخم "العبر وديوان المبتدأ والخبر" وتتجلى فيه منهجيته العلمية وعقليته الناقدة والواعية، حيث إنه يستقرئ الأحداث التاريخية، بطريقة عقلية علمية، فيحققها ويستبعد منها ما يتبين له اختلاقه أو تهافته.
أما التجديد الذي نهجه "ابن خلدون" فكان في تنظيم مؤلفه وفق منهج جديد يختلف كثيرًا عن الكتابات التاريخية التي سبقته، فهو لم ينسج على منوالها مرتبًا الأحداث والوقائع وفق السنين على تباعد الأقطار والبلدان، وإنما اتخذ نظامًا جديدًا أكثر دقة، فقد قسم مصنفه إلى عدة كتب، وجعل كل كتاب في عدة فصول متصلة، وتناول تاريخ كل دولة على حدة بشكل متكامل، وهو يتميز عن بعض المؤرخين الذين سبقوه إلى هذا المنهج كالواقدي، والبلاذري، وابن عبد الحكم، والمسعودي بالوضوح والدقة في الترتيب والتبويب، والبراعة في التنسيق والتنظيم والربط بين الأحداث. ولكن يؤخذ عليه أنه نقل روايات ضعيفة ليس لها سند موثوق به.
ماهو سبب اهتمام ابن خلدون بعلم التاريخ :
لم يكن تكوين ابن خلدون بادئ ذي بدء تكوين مؤرخ كما لم يعرف عنه انه عني بالتاريخ قبل ان وضع " كتاب العبر" بعد ان بلغ الخامسه والأربعين من عمره وإثر محاولات عديدة في ميادين فكريه اخرى فقد انصب جل اهتمامه في فترة شبابه في الفلسفه بوجه الخصوص وقد لازم في مطلع شبابه استاذه الآبلي وهو اهم المشتغلين بالفلسفه والعلوم العقليه في عصره واختصر بإشرافه مؤلف الرازي " كتاب بمحصل افكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين .
اذن كان التقاء ابن خلدون بالتاريخ عرضيا ومفاجئا بقدر ما كان حاسما وقد وصل اليه عن طريقين طريق التجربه السياسيه الغنيه وطريق التأمل العقلي ولعل الطريق الأولى اوصلته الى الثانيه فقد انخرط بقوة والحاح في احداث عصره وعاش تجربة سياسيه غنية بالمفاجآت والتقلبات . لم تكن تجربة ابن خلدون الشخصية القلقة,المضطربة والفاشلة, سوى صورة مصغرة عن تجربة العصر كله . في القرن الثامن للهجرة كان بحق قرن التراجعات والأنهزامات في العالم الإسلامي شرقا وغربا فمن هجمات التتار شرقا الى تقلص حكم العرب في الأندلس غربا الى ضعف الأسر الحاكمة وتنافسها ودخولها مع بعضها البعض في مؤامرات وحروب عبثية لانهاية لها , الى الطاعون الجارف الذي خلف الخراب والدمار , الى التزامت الفكري وانتشار الفكر الخرافي كل هذه الأمور خلقت اوضاعا مرتبكة تسودها الفوضى من كل جانب.
نظرة كتاب الغرب لمنهج ابن خلدون في التأريخ :
كثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا ديني للتأريخ، وهو له تقدير كبير عندهم. ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامي توثيقا بسبب المؤلف الذي وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته وتجاربه ودعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا، تحدث ابن خلدون في هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية في مجال السياسة والتأليف والرحلات، ولكنه لم يضمنها كثيرا تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.كان شمال أفريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاث أسر : المغرب كان تحت سيطرة المرينيين (1196 - 1464)، غرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبد الودود (1236 - 1556)، تونس وشرق الجزائر وبرقة تحت سيطرة الحفصيين (1228 - 1574). التصارع بين هذه الدول الثلاثة كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافي باهر.وكان المشرق العربي في أحلك الظروف آنذاك يمزقه التتار والتدهور.
بعض المراجع:
محمد بدوي، مبادئ علم الاجتماع، دار المعارف الاسكندرية ، مصر، 1976 الطبعة الاول .
حسن عاصي ،ابن خلدون مؤرخا–،دار الكتب العلمية ،دار الكتب العلمية بيروت ، لبنان ,طبعة ا3-،سنة 1991، 78-80 .
الدكتور رحاب عكاوي،ابن خلدون (أشهر مؤرخ عرفه الاسلام)،دار الفكر العربي-،بيروت لبنان ،ط 1-1998- 1419. محمود عبد المولى ، ابن خلدون وعلوم المجتمع،دار العربية ،ليبا ،تونس ،ط 1 .