ابن سينا : الشيخ الرئيس : ( 370 هـ - 428 هـ )
الفيلسوف ابن سينا :
حيـاتــــــــه :
أبو علي الحسين بن عبد الله ابن علي بن سينا , ولد بقرية بالقرب من بخارى عاصمة الدولة السامانية , وكان أبوه فارسياً من الشيعة الإسماعيلية , ونشأ أبنه عليها , ولكن ابن سينا أتجه وجهة فلسفية وعلم نفسه بنفسه , وأجاد علوم الطب والطبيعة والمنطق والهندسة والفلك ونجح في علاج الملك نوح بن منصور ولم يبلغ الثامنة عشرة . وقرا في الفلسفة لأفلاطون وأرسطو والفارابي و واشتغل بالسياسة , وكان محباً للدنيا والخمر والنساء والترف , وتولى الوزارة ولم يبلغ الخامسة والثلاثين , وأصيب بالقولنج ( قرحة المعدة ) في الخمسين , فتاب عن الشهوات واعتق أماءه وتصدق بماله وانصرف إلى التأمل الفلسفي ومات في السابعة والخمسين .
وقد لقب بالشيخ الرئيس وذلك لاشتغاله بالعلم والفلسفة والسياسة والوزارة ، و لقبه الغرب بـ " أمير الأطباء"
مـؤلفـاتــه :
تزيد مؤلفات ابن سينا عن المائة , وتتراوح بين الكتب الموسوعية والرسائل القصيرة , بعضها بالفارسية ولكن أغلبها بالعربية , وأشهرها أربعة هـي " الشفاء " و " النجاة " و " القانون في الطب " .
ورغم أنها محاولات للتوفيق بين الفلسفة والدين من ناحية , وبين أفلاطون وأرسطو على طريقة الفارابي من ناحية أخرى , فأنها تتميز بالأصالة وكان لها تأثيرها القوي , وخاصة كتابه " الشفاء " على الفكر الديني الإسلامي واليهودي والمسيحي .
فـلسفتــه :
غاية الفلسفة عند ابن سينا هي معرفة الله , وهو يستعير من الفارابي برهان واجب الوجود لإثبات وجود الله , ويفضله على برهان المحرك الأول لأرسطو , ويرفض فكرة أرسطو أن الله لكماله لا يعلم إلا ذاته , ويقول إن علم الله لذاته يستتبعه علمه بغيره طالما انه علة كل شيء , ولكن ينكر معه علم الله بالجزئيات لان العلم بها يستتبعه تغير يوازيه في ذات العالم , ويذهب إلى أن الله يعلم الكليات الثابتة الخالدة , ويعلم الإنسان الجزيئات المتغيرة الحادثة .
وعلم الله بالجزيئات كلي باعتبارها معلولات ونتائج لعلل ثابتة , وعلمه سابق على الجزيئات لأنه علم قديم . ويقول ابن سينا بنظرية الفيض في نشأة العالم كالفارابي , ولكنه يذهب إلى أن الله الواحد إذ يتعقل ذاته يصدر عنه العقل الأول , ويرد الكثرة في العالم إلى هذا العقل , وينسب إليه ثلاثة تعقلات , أن يعقل ذاته باعتباره واجب الوجود بغيره فتصدر عنه النفس الكلية , وان يعقل ذاته باعتباره ممكن الوجود لذاته فيصدر عنه جسم الفلك الأول , وهكذا بالتتابع بالنسبة لتسلسل العقول , يصدر عن كل منها عقل ونفس وجسم حتى نصل إلى أخر الأجسام العلوية وهو جسم فلك القمر , والعقل الأخير أو العقل الفعال الذي يتوسط بين العالم العلوي والعالم السفلي , ولكنه لم يقل كالفارابي أن عدد العقول السماوية عشرة بل ترك عددها لتقدم العلم والكشوف الفلكية , وتقوم أصالته في هذا الباب على نظريته الثلاثية لتعقلات العقل . غير أن أهم إسهام إبن سينا هو نظريته في النفس.
النفس وتعددها عند ابن سينا :
يرى ابن سينا ان النفس لا تتكثر من حيث ماهيتها أو صورتها إذ هي واحدة بالنوع كثيرة بالعدد ، وانما يرجع تعددها أو كثرتها إلى الابدان التي تحل فيها وتكون لها كالقوابل ومن ثم فان البدن هو مبدأ تشخص النفس واختلافها بحسب الافراد ولا يعني تعدد النفس انها كانت في الاصل نفساً واحدة ثم توزعت على اجسام كثيرة ، ذلك لان النفس جوهر روحاني بسيط ، والبسيط لا يتجزأ وحتى إذا افترضنا امكان تجزئها فان اجزائها ستتشابه أي ان الصور التي ستحل بالاجساد ستكون متطابقة ، ولكن الأجساد ليست متشابهة واذن فلكل نفس جسدها الخاص بها والمعين لها والمستعد لقبولها ، وحينما تفارق النفوس اجسادها فانها تظل متشخصة متكثرة ومختلفة كما كانت في ابدانها لاختلاف مداركها وازمنة حدوثها واختلاف هيئتها التي غلبت عليها بحكم اتصالها بهذه الابدان المعنية لها .خلود النفس :
وإذا كانت النفس تحدث مع البدن فانها لا تفسد بفساده ، إذ هو ليس علة لها وكذلك فهي ذات روحانية بسيطة وغير مركبة ، ويختلف ابن سينا عن أرسطو والفارابي بصدد مشكلة خلود النفس فارسطو يرى ان العقل الفعال هو وحده الذي يخلد اما باقي النفس الناطقة فانها تفنى بفناء الجسد ، وكذلك الفارابي فانه يقصر الخلود على العقل المستفاد بعد ان جعل العقل الفعال عقلاً كونياً خارج النفس الإنسانية بحسب تفسير الاسكندر الافروديسي لنصوص أرسطو في كتاب النفس كما ذكرنا ، اما ابن سينا فانه يتمسك بوحدة النفس الناطقة وبساطتها ، ولا يميز في جزئها الناطق بين ما هو فان وما هو غير فان ، فالنفس الناطقة عنده جوهر روحاني خالد .بطلان التناسخ :
يرفض ابن سينا دعوى القائلين بالتناسخ فهو يرى انه لما كانت علاقة النفس بالجسد المعد لقبولها علاقة تدبير لا علاقة انطباع ، فان كل نفس انما تتعلق وتشتغل ببدن معين ولهذا فان وجود نفس ثانية إلى جوار النفس الحالة في بدن الحيوان انما يعني وجود نفس معطلة قاصرة عن التدبير ، لان الحيوان انما يستشعر بنفس واحدة هي التي تدبره وتشغل بأمره ، أما النفس الأخرى الحالة في جسده فلا تكون لها علاقة به ومن ثم يبطل القول بالتناسخ .قوى النفس وأفعالها :
تبين لنا من برهان وحدة النفس عند ابن سينا ان النفس واحدة رغم وجود قوى متعددة لها ، وان النفس تكون بالنسبة لقواها الرابط أو المجمع الذي يجمع بينها كما يربط الحس المشترك بين الحواس ، فنحن نحس بشيء ونشتهيه ، والنفس هي التي تجمع بين الاحساس والاشتهاء ولا يمكن ان تكون النفس جسماً لان الجسم لا يكون مجمعاً للقوى ، ثم ان من القوى ما لا يستقر في جسم ، وقد يبتر من الجسم عضو ما ومع ذلك فنحن نشعر بذواتنا كاملة دون انتقاص .
ويرتب ابن سينا للنفس قوى مختلفة بحسب مراتب الحياة الثلاث : النباتية والحيوانية والانسانية كما فعل أرسطو وكذلك الفارابي بعده .
وتتدرج القوى وتتداخل صعداً من ادنى صور الحياة إلى ارقى صورة منها.
فللنفس النباتية قوى ثلاث : الغازية والمنمية والمولدة
الفرق بين النبي والفيلسوف في فلسفة ابن سينا :
ويقول أن النبي يختلف عن الفيلسوف , في طريقة تلقيه للمعرفة وفي كميتها , وانه يتلقى معرفته من العقل الفعال " مرة واحدة " , ثم تتنزل على البشر بلغتهم ليفهموها , وبدون الشريعة يعجز الإنسان كحيوان سياسي عن الاستمرار في الحياة , وبدون النبي تعجز المجتمعات المتحضرة عن الاستمرار . والدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة دولة مثلى , لكن الأولى أساسها الشريعة ومصدرها الله وواسطتها النبي , والثانية أساسها القانون ومصدرها الله وواسطتها الفيلسوف.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق