"اثبت الأطروحة التالية العقل هو المعيار الأساسي للقيم الأخلاقية.
طرح المشكلة
تعد مشكلة أساس القيمة الخلقية من أقدم المشكلات الفلسفية واعقدها التي اختلف حولها الفلاسفة والمفكرين وتناولوها وفقا لأرائهم واتجاهاتهم الفكرية فإذا افترضنا أن الأطروحة القائلة( إن العقل هو المعيار الأساسي للقيمة الخلقية ) فكيف يمكننا إثبات صحة هذه الأطروحة وما هي الحجج والأدلة التي تثبت تؤكد ذلك ؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة: يعتقد أنصار الاتجاه العقلي وعلي رأسهم الألماني كانط أن العقل هو الأساس والمصدر لكل القيم الخلقية. لأنه الوسيلة التي يميز بها الإنسان بين الخير والشر. وهو الذي يشرع ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمولية أي تتجاوز الزمان والمكان . ويرى أيضا أن الأفعال الحسنة هي أفعال حسنة في ذاتها والأفعال السيئة هي أفعال سيئة في ذاتها وقد اعتبر كانط الإرادة الخيرة (النية الطيبة)الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي والشرط الذي ينبغي توفره في الإرادة هو الواجب ولهذا تسمى الأخلاق الكانطية –أخلاق الواجب وفي هذا يقول: [إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص فكأنما هو قد هبط من السماء ذاتها] وما نستنتجه أن الواجب عند كانط أمر مطلق ,وان العقل العملي هو مصدر لكل قيمة أخلاقية وليست هناك أي سلطة خارجية تفرض نفسها على الإنسان.
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية
جميع الناس يملكون بالفطرة المبادئ العقلية – الأحكام العقلية أحكام عالمية يقول ديكارت [ العقل هو اعدل قسمة بين الناس ]وهذا بالإضافة إلى أن المجنون لا يستطيع التميز بين أفعال الخير والشر وهذا لافتقاده العقل ., والله سبحانه وتعالى رفع القلم عن الصبي والنائم والمجنون لأنهم لا يملكون العقل.
عرض خصوم الأطروحة ونقدهم: عرض منطقهم أساس القيم الأخلاقية هي المنفعة
مسلماتهم: إن أفعال الإنسان لا تكون خيرا إلا إذا حققت له منافع .وان أدت إلى ضرر أو عطلت نفعا كانت شرا،وبهذا تكون القيمة الخلقية للأفعال الإنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها الايجابية ،ويعتقد ارسيتبوس إن اللذة صوت الطبيعة إذ تفرض نفسها على كل الأفراد،وما عليهم إلا أن يخضعوا لها دون حياء أو خوف من أوضاع المجتمع وقيوده لان اللذة القصوى هي الغاية الوحيدة للحياة بل هي مقياس كل عمل أخلاقي، إنها الخير الأعظم ومقياس كل القيم ،يقول "ابيقور": إن الناس ينشدون في حياتهم اللذة بدافع فطري . ولهذا اعتبر اللذة هي الخير الأسمى الألم هو الشر الأقصى". أما "جرمي بنتام" فقد نظر للأخلاق نظرة تجريبية ويرى أن الإنسان بطبعه يميل إلى اللذة ويتجنب الألم ويبحث عن المنفعة ويتحاشى المضرة وهذا يعني حسبه أن الأفعال التي تتولد عنها اللذة أو المنفعة تعتبر أفعالا خيرة .
أما الأفعال التي يتولد عنها الألم أو المضرة فهي أفعال شريرة .وهو نفس الطرح تقريبا الذي ذهب إليه مواطنه جون ستيوارت ميل إلا انه اختلف معه في مسألة تقديم المنفعة الخاصة عن العامة .إذ أن الخير عنده يتمثل في ضمان اكبر سعادة للجماعة عوض الفرد.
نقـــد:
لا يمكننا إقامة الأخلاق على أساس المنفعة، لان منافع ومصالح الناس مختلفة ومتضاربة،وما يحقق منفعة لي قد يكون مضرة لغيري ولهذا يقال (مصائب قوم عند قوم فوائد)فالحروب ينتج عنها الكثير من الأضرار والخسائر لدى البعض ولكن لدى البعض الأخر -تجار الأسلحة- هي فرصة للربح لا تعوض ،كما أن ربط القيم الأخلاقية باللذة والألم يحط من قيمة الإنسان .وينزله لمرتبة الحيوان.
حل المشكلة:
إن القيمة الأخلاقية أساسها العقل وهذا لأنه هو ما يتميز به الإنسان عن غيره .ولان أحكامه تتصف دوما بالثبات والوضوح والكلية والشمول ،ومنه فان الأطروحة القائلة( إن العقل هو المقياس الأساسي للأخلاق)أطروحة صحيحة في سياقها ولا يمكننا اتهامها بالفساد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق