المقالة حول اللغة : الاستقصاء بالوضع
نص المقال دافع عن الأطروحة القائلة :
{ان اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه}
طرح المشكــــــــلة :
تعد اللغة بمثابة الوعاء الذي يصب فيه الفرد أفكاره ،
ليبرزها من حيز الكتمان إلى حيز التصريح . لكن البعض أعتقد أن اللغة تشكل عائقا للفكر ، على اعتبار أنها عاجزة عن احتوائه والتعبير عنه ،
مما يفترض
تبني الأطروحة القائلة أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه ،
ولكن كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة ؟
محاولة حل المشكــــلة :
عرض الأطروحة كفكرة : يرى أنصار الاتجاه الثنائي ، أن هناك انفصال بين الفكر واللغة ، و أنه لا يوجد تناسب بين
عالم الأفكار
وعالم الألفاظ ، حيث أن ما يملكه الفرد من أفكار و معان
يفوق بكثير ما يملكه من ألفاظ وكلمات ، مما يعني أن اللغة لا
تستطيع أن تستوعب الفكر أو تحتويه ، ومن ثــــمّ فهي
عاجزة عن التبليغ أو التعبير عن هذا الفكر .
مسلمات الأطروحة : الفكر أسبق من اللغة و أوسع منها ، بحيث أن الإنسان يفكر بعقله قبل أن يعبر بلسانه
الحجـــــة : كثيرا ما يشعر الإنسان بسيل من الخواطر والأفكار
تتزاحم في ذهنه ، لكنه يعجز عن التعبير عنها ، لأنه لا يجد إلا ألفاظا محدودة لا تكفي لبيانها ، وعلى هذا الأساس كانت اللغة عاجزة عن إبراز
المعاني
المتولدة عن الفكر ابرزا تاما وكاملا ، يقول أبو حيان
التوحيدي : " ليس في قوة اللغة أن تملك المعاني
" ويقول برغسون : " إننا نملك أفكارا أكثر مما نملك أصواتا.
اللغة وُضعت أصلا للتعبير عما تواضع أو اصطلح عليه المجتمع بهدف تحقيق التواصل وتبادل المنافع ، وبالتالي فهي لا
تعبر إلا على ما تعارف عليه الناس ( أي الناحية
الاجتماعية للفكر ) ، ويبقى داخل كل فرد جوانب عميقة خاصة وذاتية من
عواطف ومشاعر لا يستطيع التعبير عنها ، لذلك كانت اللغة عاجزة عن نقل ما نشعر به للآخرين ، يقول فاليري : أجمل الأفكار ، تلك التي لا
نستطيع التعبير عنها .
ابتكار الإنسان لوسائل التعبير بديلة عن اللغة كالرسم و الموسيقى ما يثبت عجز اللغة عن استيعاب الفكر و التعبير
عنه .
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية ( شكلا ومضمونا ) تثبت التجربة الذاتية التي يعيشها كل إنسان ، أننا كثيرا ما نعجز عن التعبير عن كل
مشاعرنا
وخواطرنا وأفكارنا ، فنتوقف أثناء الحديث أو الكتابة بحثا
عن كلمة مناسبة لفكرة معينة ، أو نكرر القول : " يعجز
اللسان عن التعبير " ، أو نلجأ إلى الدموع للتعبير عن انفعالاتنا
( كحالات الفرح الشديد ) ، ولو ذهبنا إلى بلد أجنبي لا نتقن لغته ، فإن ذلك يعيق تبليغ أفكارنا ، مما يثبت عدم وجود تناسب بين الفهم
والتبليغ
عرض منطق خصوم الأطروحة : يرى أنصار الاتجاه الأحادي
، أن هناك اتصال ووحدة بين الفكر واللغة ، وهما بمثابة وجهي العملة النقدية
غير القابلة
للتجزئة ، فاللغة والفكر شيئا واحدا ، بحيث لا توجد أفكار
بدون ألفاظ تعبر عنها ، كما انه لا وجود لألفاظ لا تحمل أي فكرة أو
معنى . وعليه كانت اللغة فكر ناطق والفكر لغة صامتة ، على
الاعتبار أن الإنسان بشكل عام يفكر بلغته ويتكلم بفكره . كما أثبت علم
النفس أن الطفل يولد صفحة بيضاء خالية من أي أفكار و يبدأ في اكتسابها بموازاة مع تعلمه اللغة . وأخيرا ، فإن العجز التي توصف به اللغة قد لا
يعود إلى
اللغة في حد ذاتها ، بل إلى مستعملها الذي قد يكون فاقدا
لثروة لغوية تمكنه من التعبير عن أفكاره .
نقد منطقهم :
لكن ورغم ذلك ، فإن الإنسان يشعر بعدم مسايرة اللغة للفكر ، فالأدباء مثلا رغم امتلاكهم لثروة
لغوية يعانون من مشكلة في التبليغ ، وعلى مستوى الواقع
يشعر أغلب الناس بعدم التناسب بين الفكر واللغة .
حل المشكلة :
وهكذا يتضح أن هناك شبه
انفصال بين اللغة والفكر ، باعتبار أن الفكر اسبق وأوسع من اللغة ، وان اللغة تقوم بدور سلبي بالنسبة له ، فهي تعيقه وتفقده حيويته ، مما يعني
أن الأطروحة
القائلة : " أن اللغة منفصلة عن الفكر وتعيقه "
أطروحة صحيحة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق